ملحمة معركة قادش
النص المصرى لمعاهده معركة قادش بمعبد امون رع بالكرنك |
تعددت وتنوعت أسماء الكثير من الملوك في التاريخ المصري القديم والتي تكررت كثيرًا؛ إلا أن هناك اسم لم يتكرر قدر ما تكرر اسم رعمسيس الذي يمثل تتابعه على مدى الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين سجلاً متصلاً لانحدار الدولة المصرية. فما بين بداية عهد رعمسيس الأول عام ١٢٩٥ قبل الميلاد وحتى نهاية عهد رعمسيس الحادي عشر عام ١٠٦٩ قبل الميلاد. ويروى لنا التاريخ فيما يزيد قليلاً على ألمائتي سنة قصة ذلك الانحدار السريع من أقوى عصور التقدم والازدهار إلى أكثر العصور ضعفًا وهوانًا.
وتبدأ قصة الرعامسة برعمسيس او رمسيس الأول الذي كان قائدا عسكريًا نشأ في شرق الدلتا وارتقى إلى منصب الوزير في عهد حور محب. وعند تأمل التابوت الجرانيتي لرمسيس الأول الموجود الآن بالمتحف المصري، نجد في النقوش الداخلية التي تزيّن التابوت قصة تروي كيف تبنّى حور محب قائده رمسيس واتخذه وليًّا للعهد يحكم من بعده.
خلال حكم رمسيس الأول شهدت مصر بعض النشاط المعماري حيث شيّد عددًا من المعابد في أبيدوس والكرنك وغيرهما. أما ابنه سيتي الأول فربما كانت أهم إنجازاته بعد الفتوحات التي حققها أنه أنجب واحدًا من أعظم حكام مصر على مدى تاريخها وهو رعمسيس الثاني، بطل معركة قادش المجيدة عام ١٢٧٤ قبل الميلاد، التي تعتبر نقوش ورسوم معاركها على جدران معابد الأقصر، والكرنك، وأبيدوس وأبوسمبل من أروع قصص المعارك الحربية التي خلّفتها لنا الحضارة المصرية القديمة وخاصة عصر الرعامسة.
وقد خلّد شاعر البلاط الملكي في تلك الفترة "بنتاؤر" معركة رمسيس الثاني في ملحمة رائعة تصور لنا في أحد أجمل مواقعها مشهدًا دراميًّا مثيرًا، وذلك حين وجد رمسيس نفسه وحيدًا فئ مواجهة مواتالي ملك الحيثيين. فقد شن الحيثيون على رمسيس هجومًا مباغتًا أثناء عبوره نهر العاصي شطر قواته شطرين فتفرق جنوده فئ كل صوب وبقى هو وحده فئ مواجهة العدو.
فيحدثنا الشاعر بنتاؤر على لسان أعظم ملوك مصر الملك رمسيس الثاني
ليس معي جندي ولا قائد.
مشاتي وقوات المركبات هجروني.
يا آمون العظيم..
لست الأب الذي يتخلى عن ابنه البار.
لقد حافظت على كل تعاليمك ونصائحك.
إنك لن تسمح لأجنبي بالاقتراب من سيد طيبة العظيم.
من هم هؤلاء الآسيويون بالنسبة لك؟
رجال أشرار لا يعرفون الله.
ألم أشيد من أجلك العديد من العمائر"المعابد"
إني أناديك يا أبي: أيا آمون في عُلاك.
إني وسط أعداء لا أعرفهم.
كل هذه البلدان تجمعت ضدي وجيوشي هجرتني.
لكني أناديك أيا آمون.
يا من أنت الأفضل..
من عشر ملايين جندي.
يا من أنت الأقوى..
من مئات آلاف من المركبات الحربية.
يا من أنت الأبرك..
من آلاف الإخوة والأبناء والأقارب وأهل البلاد.
في موضع آخر من الملحمة يستجيب آمون لرمسيس:
مد لي آمون اليد.
أطلق صرخة الفرح من صدورنا.
قال: أنا رب النصر أحب الشجاعة.
اضرب باليد اليسرى وحارب باليمنى.
ثم يصف رمسيس مشهد الانتصار بعد ذلك فيقول:
أرى الألفي وخمسمائة مركبة حربية التي أحاطت بي
مسجاة .. مهشمة ..
منقلبة أمامي.
ألقيت بها في الماء فغاصت للقاع كما يغوص التمساح.
الجنود يتعثرون فوق بعضهم البعض
فأقتل منهم ما أشاء.
يصيحون في بعضهم البعض:
«هذا الذي بيننا ليس بشرًا.. إنه الإله بعل».
لكن الملك رعمسيس كان رجل سلام مثل ما كان رجل حرب، والحيثيون الذين حاربهم وانتصرعليهم في عهد الملك مواتالي عقد معهم بعد ذلك في عهد الملك خاتوسيلي الثالث أول معاهدة سلام عرفها التاريخ، وقد حررت المعاهدة التي وقعت عام ١٢٧٨ قبل الميلاد من صورتين، الأولى باللغة المصرية، والثانية بلغة الحيثيين ودُونت على ألواح صغيرة وضعت في محفوظات عاصمة كل منهما. وقد نقشت نسخة من المعاهدة بالخط الهيروغليفي على جدران معبد الكرنك