الطب فى مصر القديمة

الطب فى مصر القديمة 
انية طبية من العصر المملوكى ومحفوظة بمتحف الفن الاسلامى
انية طبية من العصر المملوكى ومحفوظة بمتحف الفن الاسلامى

 بدأ قدماء المصريين ممارسة الطب في عصر مبكر للغاية؛ حولي 4000 قبل الميلاد. وعلى سبيل المثال، فإن القرائن من تلك الفترة تشير إلى أن طلاء العين "الملاخيت أو الدهنج" كان يستخدم للوقاية من أمراض طفيلية معينة كانت تصيب العين. كما يرجع الفضل لقدماء المصريين في إنجاز لم تزل له قيمته إلى اليوم؛ فهم أصحاب أقدم مدنية تعرف الطبيب الممارس. وكان أمحوتب من أوائل الأطباء الممارسين، ومعالجا بارعا.
وكان الأطباء وبعض الكهنة يقومون بتعليم الطب، في المعابد؛ خلال سنوات من التدريب. وكان الممارسون المصريون القدماء للطب على قدر كبير من المعرفة بالجسد البشري؛ رغم أنه لم تكن هناك في وقتهم مدارس للطب بالمفهوم العام الشائع اليوم. وقد جاءت معرفتهم في الأساس من خلال عملية التحنيط؛ حيث كانوا يقومون باستخراج وفحص أجزاء مختلفة من الجسم بعد الوفاة. وكثيرا ما كانت توضع تلك الأعضاء الداخلية؛ فيما يعرف تحت مسمى "الأواني الكانوبية". كما كانت لديهم دراية بسوائل المخ، والموضع الصحيح للقلب، وبأن الشرايين مجوفة وأن الدم ينساب في دورة داخل الجسم. وقد قاموا أيضا بإجراء عدد من العمليات الجراحية؛ وهو ما تؤكده الشواهد في بعض الهياكل المكتشفة.
وعرف أطباء قدماء المصريين بقوة الملاحظة، وقدروا أهمية الإصغاء بانتباه إلى مرضاهم. وبوجه عام فإن أكثر مجالات ممارسة الطب أهمية كانت تتمثل في العناية بالنساء والأطفال، ومعالجة العقم. و قد أجريت الاختبارات على النساء للكشف عن مقدرتهم على الحمل، أو لتحديد نوع الجنين. واخترع الأطباء كذلك وسائل عديدة لتيسير الوضع في الحالات المتعسرة. وكانت المعرفة بتلك الوسائل تنتقل، شعبيا، بالوراثة. وقد سجلت مخطوطات طبية يرجع تاريخها إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد؛ إحدى عشر وسيلة للتوليد. وإلى جانب ذلك، فإن النزلات المعوية وآلام المعدة والسعال وآلام الأسنان وإصابات العين؛ كانت من الأمراض الشائعة بين قدماء المصريين. واستخدم الأطباء مواد طبيعية في معظم وصفاتهم العلاجية، وكان بإمكانهم إحصاء معدل ضربات القلب؛ مستخدمين الساعة المائية. وشهد القرن الرابع قبل الميلاد ازدهار مهنة الطب في مصر القديمة.
وتأتي معرفتنا بالطب في مصر القديمة أساسا من برديات يرجع تاريخها إلى العصور الفرعونية؛ ومن بين أشهرها برديات"إدوين سميث" و"إيبرز"، وهما مكتشفيها ومفسريْها. وتحتوي تلك البرديات على بيان ببعض الحالات المرضية والخطوات الجراحية والوصفات العلاجية للأمراض والجروح؛ وتعتمد غالبيتها على مواد طبيعية، ولكنها كانت تضم أيضا تعاويذ سحرية يرجع تاريخها إلى الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة. وقدم قدماء المصريين أفضل النماذج للرعاية الصحية المتكاملة؛ إذ قاموا بمعالجة الفرد ككل، بدنيا وذهنيا (نفسيا) وروحيا. وكثير من الأعشاب الطبية المستخدمة اليوم كان المصريون القدماء أول من استخدمها؛ كما أن معرفتنا الحالية بالتشريح قد وصلت إلينا من أولئك المعالجين، من خلال خبرتهم في التحنيط.
ومن الجدير بالذكر أن الطب في مصر القديمة، لم يكن بوجه عام منفصلا عن الطقوس السحرية والدينية. وقد سار العلاج بالعقاقير والأدوية جنبا إلى جنب، مع التعاويذ السحرية، في معالجة المرضى. وكان هناك عدد من العصي التي كان يستخدمها الكهنة، ولوحوا بها أثناء ترديدهم للتعاويذ؛ لطرد القوى الشريرة. وإضافة إلى ذلك، فإنهم استخدموا أيضا آنية سحرية كتبت عليها عبارات مبهمة؛ بينما غمرت فيها الأدوية التي وصفها الأطباء. وبقي الطب مرتبطا بالكهنوتية، في مصر، إلى نهاية العصر الروماني. وبلغت دراسة التشريح في مصر القديمة ذروتها في العصر البطلمي؛ بقدوم طبيبين كبيرين إلى الإسكندرية، للوصول إلى معرفة دقيقة مفصلة عن تشريح الجسم البشري والتمكن من علاج كافة الحالات المرضية. وجاء الأطباء من جميع أنحاء العالم إلى الإسكندرية؛ خاصة خلال تلك الفترة، للتدرب على التشريح.
وفي عصر خلافة وولاية حكام المسلمين بمصر وصل الطب إلى مكانة رفيعة. وتقدم الطب في مجالات أخرى متنوعة؛ مثل الملاحظة الإكلينيكية الدقيقة للمرضى، ووصف العلاقات الباثولوجية بالأمراض والطرق العلمية في التدريس؛ إضافة العناية الخاصة بالصحة العامة وتحسين الخدمات بالمستشفيات. وكان ظهور المستشفيات (المصحات) واحدا من أعظم إنجازات ذلك العصر. ولعل رسالة المستشفى كانت أروع أوجه الرعاية الصحية، وكانت رسالتها العناية بكل الذين يقصدونها؛ بغض النظر عن أوضاعهم الاجتماعية

ضع تعليقك