في عام 1902 م ، أي منذ ما يقرب من قرن من عمر الزمان ، اختلفت مصر واحتفل معها كل المهتمين بالتراث الحضاري المصري القديم ، بافتتاح المتحف المصري ومنذ ذلك الحين والمتحف يشغل مكانه رفيعه بين متاحف العالم الكبرى مما يجعله موضع اعتزاز كل ابناء الشعب المصري خاصة وأبناء الأمه العربية عامة.
وترجع رفعة شأن المتحف المصري لأسباب عدة نكتفي هنا بذكر اثنين منها فقط أولهما أن هذا المتحف الذي صممه المعماري الفرنسي مارسيل دورجنو على الطراز الكلاسيكي الجديد ويعتبر من أول المتاحف التى صمم ونفذ منذ البداية لكي يؤدي وظيفة المتحف ، وذلك عكس ما كان شائعا آنذاك في أوربا من تحويل قصور الملوك وبيوت الأمراء والنبلاء إلى متاحف ، وبذلك يعتبر المتحف المصري ، تصميما وتنفيذا ، علامة بارزة في تاريخ المتاحف في الفالم بأسره ، بحيث أنه ما أن يذكر تاريخ عمارة المتاحف إلا واحتل متحفنا (المتحف المصري) مكان الصدارة فيه .
أما ثاني الأسباب وأهمها جميعا ، فهو ما يحتويه المتحف وما يرمز إليه هذا المحتوى ، فالمتحف يزخر بثروه هائلة من التراث المصري لا مثيل لها في أي بقعة من بقاع الأرض قاطبة ، وتعتبر بحق من أغلى وأعز ما يملكه الشعب المصري ، ثروة تمثل عبقرية الحضارة المصرية عبر الآلاف مؤلفة من السنين ، وتقف شاهدا على إبداعات الإنسان المصري خلال حقبة طويلة ممتدة في كل منحى من مناحي الحياة : في العمارة والفنون والآداب والدين والعلوم والزينة بل وفي أدواته وآلاته بكل أشكالها وأنواعها ، وكلها ترجمات صادقة لأحلامه وطموحاته ، لآماله وآلامه ن لنظرته غلى مستقبله الدنيوي القريب والأخروي البعيد .
ولما كانت الحضارة المصرية عبر عصورها المديده وبكل تجلياتها هى أحد الروافد الرئيسية لنهر الحضارة الإنسانية العريض ، فقد غدا من حق المتحف المصري أن يصير "رمزا" لحضارة الإنسان في أي زمان ومكان ، فلا غرو إذ أن يتحول المتحف القائم شامخا في قلب القاهرة من مجرد "متحف" الى "كعبة" يحج إليها المريدون ويقصدها الزائرون من كل حدب وصوب ، لينهلوا من بئر الحضارة متعة للقلب وبهجة للعين وشفاء للروح .