سنوحى المصرى ابن الجميزة (الجزء الثانى)

سنوحى المصرى ابن الجميزة (الجزء الثانى)
سنوحى المصرى ابن الجميزة (الجزء الثانى)
سنوحى المصرى ...... ابن الجميزة ..... (الجزء الثانى) :-
كان الفن المصرى القديم دائما ما يحمل معانى باطنية روحانية مختبئة خلف المعانى المادية الظاهرة , و قصة سنوحى المصرى هى أحد الأمثلة على ذلك .
حملت قصة سنوحى العديد من الرموز الروحانية التى تجعلها من أعظم القصص فى تاريخ الانسانية , لما فيها من قيم روحانية , و أعظم تلك القيم "الحنين الى الوطن / الأصل" , و الوطن المقصود فى القصة ليس فقط مصر الدنيا , تلك المساحة الجغرافية على كوكب الأرض التى نعيش فيها , و لكن المقصود هو مصر العليا , الموطن الأصلى فى السماء , عالم الروح الذى أتينا منه .
و تتجلى الرموز الروحانية بشكل خاص فى اسم صاحب القصة و فى مضمون القصة (الغربة و الحنين الى الأصل) , و أيضا فى رمزية اخفاء سبب تلك الغربة .
فاذا تأملنا الاسم (سنوحى) , نجد أن هذا الاسم باللغة المصرية القديمة يعنى "ابن شجرة الجميز" .
و شجرة الجميز فى مصر القديمة كانت هى الأم السماوية , فقد حمل لقب سيدة الجميز كل من ايزيس (نجم الشعرى) و حتحور (مجرة الطريق اللبنى) , و نوت (السماء) . كانت شجرة الجميز تظهر فى كتب العالم الاخر وهى تقوم بتقديم الطعام و الشراب لأرواح الموتى و باواتهم (جمع با) .
ارتبطت حتحور بشكل خاص بشجرة الجميز و كانت بالاضافة الى كونها رمز لمجرة الطريق اللبنى , كانت أيضا ترمز الى البلاد الأجنبية (الغربة) .
لم يكن اختيار اسم سنوحى (ابن شجرة الجميز) مجرد مصادفة , بل كان رمزا للانسان و علاقته بالسماء , فهو سنوحى , أى ابن الأم السماوية / ابن السماء , لأن الانسان فى الأصل كيان روحى أتى الى الأرض فى رحلة قصيرة يعيش فيها تجربة مادية يعود بعدها الى الأصل , و طوال فترة اقامته فى العالم المادى هو فى غربة عن وطنه السماوى الأصلى ..... تلك الغربة الروحية هى غربة سنوحى التى عبر عنها فى أبيات شعرية تعصر القلوب حين كان يناجى الاله قائلا (الهى , كن رحيما بى .... أعدنى ثانية الى بلادى , و لربما تسمح لى أن أرى المكان الذى سكن فيه قلبى) .
و القصة مليئة بالرموز الروحانية الأخرى , فنجد أن سنوحى عندما سمع أنباء وفاة الملك "آمين – ام – حات" شعر بالرهبة فبدأ بالهروب من مصر . لم يعتمد سنوحى فى ذلك على التفكير العقلانى و لم يخطط لذلك الهروب و لكنه ترك نفسه لقدميه توجهه الى حيث لا يعلم . فى البدأ كان يتجه الى الجنوب , و لكنه وجد قاربا بدون دفة أو مجداف (اختفاء الدفة و المجداف هو رمزية الاستسلام للقدر) فركبه و ترك نفسه للتيار الذى حمله الى الشمال . الى مكان يسمى بلدة (محلة) شجرة الجميز , و هذا هو المكان الذى بدأ منه رحلته الى سيناء ثم الى بلاد الشام .
مر سنوحى فى طريقة الى سيناء بمكان يعتقد المؤرخون أنه منطقة البحيرات المرة حيث كاد يشرف على الموت من الجوع و العطش , الى أن قابله شيخ بدوى سقاه الماء و اللبن و أطعمه . ذكر سنوحى تلك القصة بالتفصيل مع الاعتراف بجميل ذلك الشيخ الذى أنقذه من الموت.
و لهذا تعتبر قصة سنوحى مثالا لأخلاق المصرى ابن الأصل ,
و ما زال تراثنا الشعبى حتى الآن يحفظ المثل الشائع (ابن الأصول ما ينساش المعروف) .
كان سنوحى مصر ابن أصل , لذلك لم ينسى المعروف و حفظ الجميل و سجل قصته مع الشيخ العجوز الذى أنقذه من الموت عند البحيرات المرة .

ضع تعليقك