السحر فى مصر القديمة (الجزء الثالث عشر) سحر الكلمة

السحر فى مصر القديمة (الجزء الثالث عشر) سحر الكلمة
السحر فى مصر القديمة (الجزء الثالث عشر) سحر الكلمة
السحر فى مصر القديمة (الجزء الثالث عشر) سحر الكلمة :-
لم يكن تحوت عند قدماء المصريين هو فقط مخترع الكلمة المكتوبة ,
و لكنه هو أيضا رب الكلمة المنطوقة .
كانت العلاقة بين الكلمة المكتوبة و المنطوقة فى مصر القديمة علاقة وثيقة .
فالشكل المكتوب كان يعبر بطريقة أخرى عن نفس القيمة الصوتية
التى تحتويها الكلمة المنطوقة .
لذلك فالكتابة المصرية القديمة "الهيروغليفية" (Hiero-glyph) معناها
النقش المقدس / الالهى .
أن تصبح ماهرا فى الكتابة المقدسه "الهيروغليفية" معناه أن تطلع على أسرار العلاقة بين الشكل و الصوت .
و يقول عالم الكيمياء الفرنسى (Schwaller De Lubicz) أن الكتابة الهيروغليفية هى الكتابة الأكثر قدرة على التعبير عن الألوهية و عن عالم الروح بما تحويه من أشكال و رموز , يتوقف ذلك على كيفية استخدام تلك الرموز و أوضاعها و كذلك ألوانها .
و نجد مثالا على ذلك فى متون الأهرام , اذ نقرأ فى أحد نصوصها :-
*** أيها التاسوع المجيد الذى يسكن "ايونو" (هليوبوليس) آتوم , و شو , و تقنوت , و جب , و نوت , و أوزير , و أيزيس , و ست , و نفتيس يا من أتى بكم آتوم الى الوجود بمشيئته يا من تحملون اسم "الأقواس التسعة" لا أحد منكم بمعزل عن آتوم ****
و اذا نظرت الى ذلك النص و هو مكتوب بالهيروغليفية , ثم تأملت الترجمة المقابلة له , ستشعر أن الترجمة "بلغتنا الحديثه" ساعدت فى نقل جزء من محتوى النص .
و لكننا فى نفس الوقت نشعر أن هناك معانى أخرى خفية / باطنة لم تستطع لغة الحروف الأبجدية الحديثه نقلها الى عقولنا .
ان النص المترجم الى لغتنا الحديثة يبدو نصا "ميتا" بالمقارنة بالنص الهيروغليفى الأصلى .
و مهما حاولنا تنميق ترجمتنا باستخدام ألفاظ شعرية و تعبيرات أدبية فى محاوله لنقل المحتوى الروحى الذى يتضمنه النص الهيروغليفى , تظل ترجمتنا الحديثة خالية من الحياه .
ان الترجمة الحديثة للنص الهيروغليفى هى نتاج عقلية تختلف تماما عن عقلية القدماء .
فهى ترجمة تعنى بالظاهر و تخلو من الرمز و لا تحمل فى باطنها أسرارا و لا ينبعث منها ذلك "الجلال" الذى ينبعث من النص الهيروغليفى .
كانت الهيروغليفية تحظى بتبجيل قدماء المصريين , حيث كانت هى لغة
الأسرار الكونية , فمن يطلع على أسرارها فقد اطلع على أسرار الكون .
و نجد مثالا لذلك فى مقولة جاءت على لسان "أمنحتب ابن حابو" نقشت على أحد تماثيله , يقول فيها : -
*** أوتيت علم الكتاب , و اطلعت على أسرار لغة تحوت (الهيروغليفية) و كشف لى كل ما خفى من رموزها ***
و الكلمة المكتوبة لها نفس القوة السحرية للكلمة المنطوقة من حيث القدرة على استحضار القوى الكونية التى تخاطبها الكلمة .
و الكلمة المكتوبة كانت عند قدماء المصريين كائنا حيا , بل انها كانت تعامل معاملة الكائن الذى تتحدث عنه , فمثلا عند قراءة بعض النصوص التى جاء فيها ذكر أسماء أعداء (و التى تصور على شكل حيوانات خطرة) , نجد أن اسم العدو تم رسمه ناقصا أو وضعت فوق صورته سكينا تقوم بتقطيعه .
هذا الأسلوب فى التعبير يدل على أن المصرى القديم كان يرى فى رمز العدو رمزا حيا , أى أنه يستحضر الطاقة الروحانية لذلك الكائن . لذلك كان يصوره و هو مقطوع بالسكين أو غير كامل الهيئة , حتى يكون حضوره مصحوبا بالتكبيل و حتى يتم تجريده من قدرته على ممارسة تأثيراته السلبية فى عالم الماده .
كان المصرى القديم يعتقد أن الكلمة المكتوبة هى كائن حى , لأنها تقوم باستحضار الطاقة الروحانية للشئ الذى تتحدث عنه .
لذلك كان يعتقد أن أى شخص يكون بحوزته نصا مقدسا فانه يكتسب الطاقة الروحانية للأشياء التى يتحدث عنها النص , حتى و ان كان غير قادر على قراءة ما فيه من كلمات و ادراكها ادراكا عقليا . ذلك أن الكلمات المنقوشة فى المخطوط تقوم بالفعل باستحضار جوهر الشئ الذى يتحدث عنه النص المقدس , و تجعل من بحوزته المخطوط فى حالة
اتصال مباشر بالجوهر الذى تحتويه الكلمات المكتوبه .
-------------------------------------------------------------------------
من كتاب (Temple of the Cosmos) للكاتب البريطانى Jeremy Naydler

ضع تعليقك